احتفلت الأمم المتحدة بالذكرى الثلاثين ليوم المرأة العالمي, التي خصها الميثاق العالمي لحقوق الإنسان بفصل خاص، والتي صارت قضيتها في العقود الأخيرة من القرن العشرين محوراً مهماً ومتميزاً في مسيرة البشرية ومحاولاتها المستمرة للارتقاء والتقدم بحياتها الدنيوية, وهي حياة شاركت فيها بل تقدمت فيها المرأة بكونها النصف الآخر "المكمّل للجنس البشري" بنضالات عظيمة من أجل تحقيق وجودها والحصول على حقوقها الطبيعية كشريكة للرجل في الحياة بكل ما تحمله كلمة الشراكة المتكافئة من معانٍ. وإذا كانت المرأة في العالم المتقدم قد تأسست حركتها قبل عقود سابقة من الزمان للحركة النسوية في بلادنا -التي حكمت عليها ظروف تاريخية جائرة- بالتخلف, فإن الحركة النسوية السودانية لها أن تفخر بأن في سجل تاريخها صفحات مُشرقة سجلتها طليعتها، في زمان كان فيه النضال من أجل نيل الحقوق، يسلك طريقاً شاقاً ووعراً. لقد تزامنت حركة النهضة النسوية في السودان مع صعود الحركة الوطنية وحركة النضال الوطني من أجل التحرر والاستقلال، ذلك الصعود الباهر الذي أسست له ووضعت لبناته الأولى حركة الخريجين واستكملت مسيرته الحركة النقابية السودانية العمالية والمهنية والفلاحية. هذا العام تزامنت ذكرى الاحتفالات بـ"يوم المرأة العالمي" مع حدث متميز في تاريخ السودان والسودانيين. ذلك الحدث المهم والمتميز هو حلول الذكرى المئوية لافتتاح أول مدرسة لتعليم البنات في تاريخ السودان الحديث. ففي فبراير عام 1907 افتتح المربي الرائد والمستنير الشيخ "بابكر بدري"، أول فصل لتدريس البنات على المناهج التربوية الحديثة. ولكي يدرك المرء الدور التاريخي الذي قام به "بابكر" عليه أن يتذكر ويسترجع صورة السودان في ذلك الزمن البعيد عنا نسبياً الآن. كان ذلك بعد سنوات تسع من احتلال قوات الاستعمار والغزو البريطاني– المصري للسودان لما تصوره المستعمر أنقاض الدولة المهدية السودانية، التي كان الشاب "بابكر بدري" أحد مجاهديها الأفذاذ. وكانت روح هزيمة الثوار في معركة "كرري" غير المتكافئة تكاد تطغى على ذكريات الانتصارات الكثيرة التي حققتها "الثورة المهدية" في عمرها القصير. في ذلك الزمان خرج من بين صفوف عامة السودانيين رجل تميز بالبصيرة النيرة والرؤية المستقبلية المتقدمة، واختار ميداناً آخر للنضال من أجل السودان. وقد كان ميداناً ندرك الآن كم كان السعي فيه شاقاً وصعباً. لذلك كان حقاً على السودانيين أن يؤرخوا لتاريخ النهضة النسوية، وبدأت مسيرة المرأة السودانية لتأخذ مكانها شريكاً مساوياً للرجل السوداني بيوم تأسيس أول فصل لتعليم البنات. وكان واجباً أن نتذكر في أيام الاحتفالات بيوم المرأة العالمي الثلاثين, تاريخ مسيرة الحركة النسوية السودانية ودورها الرائد والكبير في تاريخ مسيرة السودان التي لن تتوقف من أجل استعادة وبناء وطن عظيم وكبير يتحقق فيه لأهله جميعاً نساء ورجالاً العدل والحرية والكرامة الإنسانية. الحركة النسوية السودانية قد استحقت بجدارة تلك المكانة العالمية, والاحترام الكبير الذي يكنه السودانيون لها نتيجة لكفاح الطلائع من النساء السودانيات ومزاملتهن ومشاركتهن المقدَّرة في حركة النضال والتحرر الوطني. وإن المرء ليتذكر اليوم كيف أن أول تظاهرة خرجت من نادي الخريجين في أم درمان في الأربعينيات -سنوات الصعود الوطني، كانت في قيادتها طالبة جامعية سودانية، أصبحت فيما بعد أول طبيبة سودانية، وأسست ورفيقاتها الاتحاد النسائي السوداني وصارت علماً من أعلام السودان، ألا وهي الأستاذة الدكتورة خالدة زاهر السادات. وإن المرء ليتذكر أنه، وفي سنوات القهر والتوحش والحكم العسكري التي عانى منها السودان، كانت هنالك نساء سودانيات يشاركن في حركة المقاومة ضد الحكم العسكري، وأصبحت أسماؤهن وصورهم رمزاً من رموز النضال السوداني في سبيل الحرية والديمقراطية والعدل، ودفعن نصيبهن من السجن والاعتقال وأكثر من ذلك فقد فقدن شركاء حياتهن وفلذات أكبادهن. وإذا كانت نساء العالم، وهن يحتفلن بيوم المرأة العالمي الثلاثين, دافعات إلى الأمام حركة المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء, فإن للمرأة السودانية حصة ونصيباً في هذا النضال، وحق مكتسباً لها غير منكور، فلها الإجلال والتقدير.